Telegram Group & Telegram Channel
هل نحن أُمَّة الإمام الحسن (عليه السلام) ؟

لا شكَّ أنّ أيّ مشروعٍ سليمٍ للحكم لا يقوم إلّا على أساس التوافق بين القائد والأمّة؛ فكلّما ازداد هذا التوافق والتقارب والإنسجام في الرؤية بين القائد والأمّة، ازدادت القدرة على التضحية والعطاء في سبيل تحقيق تلك الرؤية والوصول بها إلى غاياتها.. وعلى عكس ذلك؛ كلّما اتّسعت الفجوة الفكريّة والعاطفيّة والإيمانيّة بين القائد والأمّة، يُصبِح من الصعب جدًا تحقيق الغايات الكُبرى والأهداف السامية.

إنّ أعظم ما واجهَهُ الإمام الحسن (عليه السلام) في تجربة الحكم والولاية على الأمّة، هو كونها أصبحت غير منسجمة مع رؤية الإمام وأهدافه، أصبحت تقدّم أهدافًا أخرى على أهدافه، وأصبحت ترجو غايات أخرى غير غاياته.. لقد بات المجتمع الذي ورِثَه الإمام الحسن (عليه السلام) من أبيه الإمام علي (عليه السلام) مجتمعًا يفكّر بطريقة مختلفة.. هذا المجتمع الذي آمَن بصدارة علي ابن أبي طالب في الحكم، وقاتَل معه لأجل تحقيق رؤيته العادِلَة، أصابه مرضٌ في وَعْيِه، دافِعُهُ الشعور بالتعب، والرغبة في الراحة مهما كانت النتائج.

لقد بات هذا المجتمع الذي احتضنَ عليًّا، يشعر بالإرهاق من تكاليف الرسالة التي يحملها عليٌّ.. هذا الإرهاق دفعهم للتساؤل:
- ما مدى جدوى هذه الرؤية العادِلة، في قِبال تكاليفها الباهضة؟
- ما هي مشكلة القبول بالرؤية الأخرى التي يمثّلها صفّ معاوية؟

لقد بدأت هذه التساؤلات والشكوك تتضخّم في عقول النّاس، وأصبح المزاج العام أو الرأي العام الذي يسيطر على شرائح كبيرة من ذلك المجتمع، هو أنّ الصراع بين "علي وأبنائه" من جهة، مع "معاوية والبيت الأموي" من جهة أخرى، هو صراع أُسرَتين أو فَخذَين لعشيرة، وليس صراعًا بين الحقّ والباطل، بين الإسلام والنفاق، بين الرؤية العادِلة التي يتساوى أمامها أفراد المجتمع الإسلامي، والرؤية الطَبقيّة والاستغلاليّة التي تريد السيطرة والنفوذ والتسلّط..
لذلك فإنّ هذا المجتمع الذي لم يعد يرى اختلافًا مصيريًّا بين الصَفَّين؛ صف عليٍ والحسن، وصفّ معاوية وابن العاص.. صار يتقبّل ويميل إلى تجربةٍ لا تكلّفه -بِنَظَرِه حينها- شيئًا باهضًا كما كلّفته تجربة علي ابن أبي طالب، وكما ستكلّفه تجربة الحسن ابن علي.

هذا المجتمع.. هذه الأمّة التي بدأت تفكّر بحسابات المصلحة الآنيّة، والسلامة الآنيّة، في قبال المجهول -أو المعلوم الذي تجاهلته- هذه الأمّة هي التي ورثها الإمام الحسن (عليه السلام) وهي التي سَلَّمَتْهُ للخيارات الصعبة والخطيرة.. هي التي أسقطت رماحها وسيوفها من يد الحسن (عليه السلام).. هي التي أسقطت نفسها من رصيد القوّة لدى الإمام، فصار الإمام بسبب هذا النكوص والخذلان ضعيفًا في الحسابات السياسيّة والعسكريّة والميدانيّة، فدفعته للخيار المُر كما دفعتْ أباه في التحكيم.

غياب الانسجام والتوافق في الرؤية والعقيدة..
غياب الوعي المتّصل بين الأمّة والقيادة العادِلة الصادقة..
غياب الإرادة والعزيمة على وقوف في وجه الباطل..
غياب البصيرة بمآلات الأمور إذا سلّمت الأمّة للخيار الآخر..
كلّ ذلك الغياب هو الذي صنع الموقف السياسي المُر الذي عاشه الإمام الحسن (عليه السلام).

وفي عصرنا هذا.. هنالك من يعيش نفس تلك الشكوك والتساؤلات:
- ما جدوى الوقوف في وجه الظلم والاستكبار والغطرسة والهيمنة الدوليّة؟
- لماذا لا نجرّب الاستسلام لهذه القوى الكبرى التي تسيطر على العالم؟
- إنّ الصراع بين هذه الجبهة التي ترفع آيات الله وكلماته وإسلامه وعزّة دينه، مع تلك الجبهة التي ترفع شعارات الحريّة والديموقراطيّة وحقوق الإنسان، هو صراع بين عشيرتين! بين دُوَلٍ لها مصالحها.. وليس صراع حقٍّ وباطل.

هل نحن أمّة الحسن التي تسلِّمُهُ بيدها إلى عدوّها، أو تضغط عليه للقبول بالتصالح معه، ثمّ تجني بعد ذلك وبال أمرها؟

هل نحن الأمّة الغائبة عن الوعي، والغارقة في الشك، والراغبة بالسلامة كيفما كانت، حتّى إن ذهبت بدُنياها وآخرتها؟

نعوذ بالله أن نكون كذلك..
ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم
والعاقبة للمتّقين.

• حسن الحسيني
١٦ رمضان ١٤٤٥ هـ



tg-me.com/HasanAlhusainy/2859
Create:
Last Update:

هل نحن أُمَّة الإمام الحسن (عليه السلام) ؟

لا شكَّ أنّ أيّ مشروعٍ سليمٍ للحكم لا يقوم إلّا على أساس التوافق بين القائد والأمّة؛ فكلّما ازداد هذا التوافق والتقارب والإنسجام في الرؤية بين القائد والأمّة، ازدادت القدرة على التضحية والعطاء في سبيل تحقيق تلك الرؤية والوصول بها إلى غاياتها.. وعلى عكس ذلك؛ كلّما اتّسعت الفجوة الفكريّة والعاطفيّة والإيمانيّة بين القائد والأمّة، يُصبِح من الصعب جدًا تحقيق الغايات الكُبرى والأهداف السامية.

إنّ أعظم ما واجهَهُ الإمام الحسن (عليه السلام) في تجربة الحكم والولاية على الأمّة، هو كونها أصبحت غير منسجمة مع رؤية الإمام وأهدافه، أصبحت تقدّم أهدافًا أخرى على أهدافه، وأصبحت ترجو غايات أخرى غير غاياته.. لقد بات المجتمع الذي ورِثَه الإمام الحسن (عليه السلام) من أبيه الإمام علي (عليه السلام) مجتمعًا يفكّر بطريقة مختلفة.. هذا المجتمع الذي آمَن بصدارة علي ابن أبي طالب في الحكم، وقاتَل معه لأجل تحقيق رؤيته العادِلَة، أصابه مرضٌ في وَعْيِه، دافِعُهُ الشعور بالتعب، والرغبة في الراحة مهما كانت النتائج.

لقد بات هذا المجتمع الذي احتضنَ عليًّا، يشعر بالإرهاق من تكاليف الرسالة التي يحملها عليٌّ.. هذا الإرهاق دفعهم للتساؤل:
- ما مدى جدوى هذه الرؤية العادِلة، في قِبال تكاليفها الباهضة؟
- ما هي مشكلة القبول بالرؤية الأخرى التي يمثّلها صفّ معاوية؟

لقد بدأت هذه التساؤلات والشكوك تتضخّم في عقول النّاس، وأصبح المزاج العام أو الرأي العام الذي يسيطر على شرائح كبيرة من ذلك المجتمع، هو أنّ الصراع بين "علي وأبنائه" من جهة، مع "معاوية والبيت الأموي" من جهة أخرى، هو صراع أُسرَتين أو فَخذَين لعشيرة، وليس صراعًا بين الحقّ والباطل، بين الإسلام والنفاق، بين الرؤية العادِلة التي يتساوى أمامها أفراد المجتمع الإسلامي، والرؤية الطَبقيّة والاستغلاليّة التي تريد السيطرة والنفوذ والتسلّط..
لذلك فإنّ هذا المجتمع الذي لم يعد يرى اختلافًا مصيريًّا بين الصَفَّين؛ صف عليٍ والحسن، وصفّ معاوية وابن العاص.. صار يتقبّل ويميل إلى تجربةٍ لا تكلّفه -بِنَظَرِه حينها- شيئًا باهضًا كما كلّفته تجربة علي ابن أبي طالب، وكما ستكلّفه تجربة الحسن ابن علي.

هذا المجتمع.. هذه الأمّة التي بدأت تفكّر بحسابات المصلحة الآنيّة، والسلامة الآنيّة، في قبال المجهول -أو المعلوم الذي تجاهلته- هذه الأمّة هي التي ورثها الإمام الحسن (عليه السلام) وهي التي سَلَّمَتْهُ للخيارات الصعبة والخطيرة.. هي التي أسقطت رماحها وسيوفها من يد الحسن (عليه السلام).. هي التي أسقطت نفسها من رصيد القوّة لدى الإمام، فصار الإمام بسبب هذا النكوص والخذلان ضعيفًا في الحسابات السياسيّة والعسكريّة والميدانيّة، فدفعته للخيار المُر كما دفعتْ أباه في التحكيم.

غياب الانسجام والتوافق في الرؤية والعقيدة..
غياب الوعي المتّصل بين الأمّة والقيادة العادِلة الصادقة..
غياب الإرادة والعزيمة على وقوف في وجه الباطل..
غياب البصيرة بمآلات الأمور إذا سلّمت الأمّة للخيار الآخر..
كلّ ذلك الغياب هو الذي صنع الموقف السياسي المُر الذي عاشه الإمام الحسن (عليه السلام).

وفي عصرنا هذا.. هنالك من يعيش نفس تلك الشكوك والتساؤلات:
- ما جدوى الوقوف في وجه الظلم والاستكبار والغطرسة والهيمنة الدوليّة؟
- لماذا لا نجرّب الاستسلام لهذه القوى الكبرى التي تسيطر على العالم؟
- إنّ الصراع بين هذه الجبهة التي ترفع آيات الله وكلماته وإسلامه وعزّة دينه، مع تلك الجبهة التي ترفع شعارات الحريّة والديموقراطيّة وحقوق الإنسان، هو صراع بين عشيرتين! بين دُوَلٍ لها مصالحها.. وليس صراع حقٍّ وباطل.

هل نحن أمّة الحسن التي تسلِّمُهُ بيدها إلى عدوّها، أو تضغط عليه للقبول بالتصالح معه، ثمّ تجني بعد ذلك وبال أمرها؟

هل نحن الأمّة الغائبة عن الوعي، والغارقة في الشك، والراغبة بالسلامة كيفما كانت، حتّى إن ذهبت بدُنياها وآخرتها؟

نعوذ بالله أن نكون كذلك..
ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم
والعاقبة للمتّقين.

• حسن الحسيني
١٦ رمضان ١٤٤٥ هـ

BY حسن الحسيني


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/HasanAlhusainy/2859

View MORE
Open in Telegram


حسن الحسيني Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

NEWS: Telegram supports Facetime video calls NOW!

Secure video calling is in high demand. As an alternative to Zoom, many people are using end-to-end encrypted apps such as WhatsApp, FaceTime or Signal to speak to friends and family face-to-face since coronavirus lockdowns started to take place across the world. There’s another option—secure communications app Telegram just added video calling to its feature set, available on both iOS and Android. The new feature is also super secure—like Signal and WhatsApp and unlike Zoom (yet), video calls will be end-to-end encrypted.

What is Telegram Possible Future Strategies?

Cryptoassets enthusiasts use this application for their trade activities, and they may make donations for this cause.If somehow Telegram do run out of money to sustain themselves they will probably introduce some features that will not hinder the rudimentary principle of Telegram but provide users with enhanced and enriched experience. This could be similar to features where characters can be customized in a game which directly do not affect the in-game strategies but add to the experience.

حسن الحسيني from de


Telegram حسن الحسيني
FROM USA